لمحة عن شيخنا الفقيه محمد بن حسين فقيرة
كتب الدكتور : عبدالودود مقشر
من موسوعة ( جلاء الشجن بتراجم أعلام تهامة اليمن من وفيات 1300ه إلى
عصرنا الحاضرلمؤلفه / سالم بن علي القعطبي
هو : محمد بن حسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عيسى فقيره .
قدم أحد أجداده من بلاد السند إلى مدينة الحديدة ، واستوطنها ، وأعقب
بها ذرية منهم صاحب الترجمة ، وجده لأمه هو العلامة محمد بن محمد فقيره ، كان من كبار
العلماء ، ومفتي الأحناف بمدينة الحديدة في وقته ، توفي سنة ( 1339ه ) .
كان مولد العلامة الفقيه الراحل سنة ( 1358ه ) – كما أخبرني بنفسه - ،
وكان مولده بمدينة الحديدة ، في حارة الهنود ، ونشأ بها ، وأقبل على الطلب منذ وقت
مبكر ، وكانت مدينة الحديدة آن ذاك فيها العدد الجم الوافر من شيوخ العلم ، فتتلمذ
عليهم في الفروع على مذهب الأحناف ، والشافعية ، وفي علم التفسير ، والحديث ، وآلاتها
من نحو ، وأصول ، ومعان ، وبيان .
درس في متونها المتداولة ، وكانت دراسةً ممنهجةً في تلقي صغار العلم قبل
كباره ، و جزيئاته قبل كلياته ، إبتداءً بالمختصرات ، ثم المطولات .
وسار صاحب الترجمة في هذه المسكة المطروقة في التحصيل ، حتى صار عارفاً
بكثير من هذه العلوم ، تفسيراً ، ونحواً ، وأصولاً ، ومعانٍ ، بيانٍ ، وغيرها .
وأما في فروع المذهبين : الأحناف ، والشافعية فكان عجباً في معرفتها ،
والإحاطة بها ، وتصوير مسائلها ، حتى كان بعض شيوخه يلقبه بـ( شيخ المذهبين ) ، وكان
يُقرأ فيهما بدراية كاملة .
ومن أشهر الشيوخ الذين تتلمذ عليهم :
1- الشيخ العلامة محمد بن علي مكرم طسي .
2- والشيخ العلامة القاضي محمد بن عبدالله بن علي عاموه .
3- والشيخ العلامة عبدالقادر بن يحي بن عبدالله مكرم .
4- والشيخ العلامة القاضي أحمد بن عثمان مطير .
... وله مشايخ آخرون غيرهم من شيوخ العلم .
ويعد الشيخ محمد بن علي مكرم طسي هو شيخ تخرجه ، فقد تتلمذ عليه كثيراً
، وكانت غالب مقروءاته عليه .
ففي علم النحو : الأجرومية ، ثم متممتها ، ثم قطر الندى .
وفي فقه الأحناف : متن نور الإيضاح ، ثم ملتقى الأبحر ، ثم القدوري .
وكان شيخه المذكور شافعي المذهب ، وله الدراية الكاملة بفروع الأحناف
، ويوجد هذا لدى عدد كثير من فقهاء تهامة ، كانوا يحيطون بمعرفة فروع المذهبين ، ويتصدرون
فيهما تدريساً وإفتاءً ، خصوصاً في مدينة الحديدة ، وزبيد ، وبيت الفقيه ، كما هو معلوم
في تراجمهم ، وأخبارهم .
ومن أشهر الكتب التي قرأها على شيخه ا أيضاً كتاب سبل السلام للعلامة
ابن الأمير الصنعاني ، وكان لشيخه العلامة عبدالقادر مكرم في جامع دحمان درس في نيل
الأوطار للعلامة الشوكاني ، وهما كتابان يعرضان الفروع الفقهية ، على الترجيح بين المذاهب
، وهوما يسمى بالفقه المقارن .
ولا شك بأنه كانت لهذه الدراسة الواسعة الموصلة على متون الفقه ، ثم الدراية
باختلاف العلماء ، والوقوف على المذاهب الفقهية ، الأثر الكبير على حياة صاحب الترجمة
، وكونت منه معلمة فقهية واسعة ، لا سيما وأنه كانت تربطه بشيخه عبدالقادر مكرم ، علاقة
وطيدة ، وصحبة أكيده ، وكان من أشد الملازمين لدروسه ، والمستفيدين منها .
......................................
تولى الفقيه الراحل إمامة جامع دحمان بمدينة الحديدة نيابةً عن شيخه عبدالقادر
بن يحيى مكرم من سنة ( 1376ه ) ، ثم إماماً أصليا له في سنة ( 1397ه ) إلى حين مرضه
.
وخَلَفَ شيخه أيضاً في التدريس في الجامع المذكور ، وظل فترة من الزمان
يعقد به حلقات العلم بعد العصر ، وبعد المغرب ، وبعد العشاء ، واستمر على هذا طيلة
حياته ، وكان قيامه بالتدريس ، أبرز السمات التي عُرف بها في حياته ، وسار له بهذا
الشهرة الواسعة ؛ لدقة فقه ، وضبطه ، وحسن تقريره ، بجانب بعض الأعمال التي قام بها
في حياته كالتدريس في المعهد الديني ، والقيام بوظيفة المأذونية الشرعية للعقود ، والمعاملات
، وبعض الوظائف .
وعاش كريماً ، مبجلاً ، منصفاً ، وافر الحرمة ، متواضعاً ، لا يرى لنفسه
فضلاً على أحد ، قضى معظم أيامه ، وسني حياته في التدريس ، حتى لزم به المرض قبل وفاته
بأربع سنين تقريباً ، وظل طريح الفراش ، حتى فاضت روحه إلى بارئها في الليلة التي يسفر
صباحها عن يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من شوال سنة ( 1438ه ) رحمه الله ،
وصب على قبره شآبيب الرحمة والرضوان آمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق