ما تيسر من سيرة الشيخ العلامة محمد حسين
فقيرة رحمه الله
كتب : احمد: حسن عياش يعقوب **
انتقل إلى رحمة الله وعفوه وغفرانه مساء أمس الاثنين ٢٣ شوال سنة ١٤٣٨هـ ، الموافق ١٧ يوليو ٢٠١٧م شيخنا العلامة الحجة المحدث الفقيه الأصولي الفرضي الزاهد محمد بن حسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عيسى فقيرة – مفتي الأحناف خاصة ومفتي جميع المذاهب عامة – بعد أن قضى من عمره ثمانين عاما وسبعة أشهر بالتمام في خدمة العلم وتدريس علوم الشرع الحنيف ، حيث كانت ولادته – رحمه الله – بحارة الهنود من مديرية الحوك / محافظة الحديدة في ربيع الأول سنة ١٣٥٨هـ ، الموافق مايو سنة ١٩٣٩م .
نشأته :
نشأ وترعرع في كنف والده الفقيه العلامة حسين بن إسماعيل فقيرة ، الذي بدأ تلقيه عنه في مبادئ العلوم ، والتحق بالمدرسة السيفية ، فدرس بها حتى أنهى دراسته فيها .
مشايخه في علوم الشرع واللغة :
مشايخه الذين قرأ عليهم وأخذ عنهم واستجازهم فأجازوه كثيرون ، منهم :
*
شيخ الإسلام العلامة القاضي محمد بن علي مكرم طسي المتوفى – رحمه الله – سنة ١٤٠٨هـ ، قرأ عليه في معظم علوم الشرع واللغة وتخرج على يده .
ومن جملة ما قرأه عليه متن أبي شجاع في فقه الشافعية ، ولم يتمه ، ثم قرأ عليه في متن نور الإيضاح في الفقه الحنفي حتى أتمه ، ثم قرأ عليه في ملتقى الأبحر في فقه الحنفية حتى أتمه ، ثم قرأ عليه في القدوري في فقه الحنفية أيضا حتى أتمه ، وقرأ عليه من كتب اللغة متن الأجرومية ، ومتممة الأجرومية ، وقطر الندى لابن هشام الأنصاري ، وقرأ عليه من كتب الحديث سبل السلام لابن الأمير الصنعاني ، وغيره .
وأجازه إجازة عامة في كل ما تجوز له روايته ودرايته .
*
شيخنا العلامة القاضي وجيه الدين عبد القادر بن يحيى بن عبد الله مكرم الجماعي – خطيب جامع دحمان كبير وعضو أول مجلس للشورى بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ، المتوفى – رحمه الله – سنة ١٤٠٣هـ ، قرأ عليه في سفينة النجا من مختصرات فقه الشافعية ، ولازمه ملازمة تامة ، فقد كان يمثل له شقيق الروح ، ولازم حضور حلقته التي كان يعقدها بجامع دحمان كبير منذ سنة ١٣٨١هـ ، حتى سنة ١٤٠٠هـ ، وكان ينوبه في الخطابة والصلاة بالناس بالجامع عند غيابه ، وظلا على صفاء ومحبة ووداد ، حتى توفي الشيخ ، فخلفه في الخطابة والامامة بالجامع ، وكان قد أجازه إجازة خاصة في رواية صحيح البخاري عنه ، وكتب له سنده في الرواية ، كما أجازه إجازة عامة فيما تجوز له روايته ودرايته .
*
الشيخ العلامة القاضي محمد بن عبد الله بن علي عاموه – مفتي الأحناف ، وآخر وزير للمعارف في العهد الملكي – المتوفى شهيدا سنة ١٣٨٢هـ ، على يد أدعياء ثورة سبتمبر ١٩٦٢م ، قرأ عليه مقدمة ملتقى الأبحر ، ومقدمة ابن عابدين .
وكان يحضر الدروس التي كانت تملى بمبرز القاضي عاموه بعد العشاء ، واستفاد منه معرفة الكتب المعتمدة في الفقه الحنفي ، بل كان يتولى في مبرزهم قراءة كتاب جامع الامام الترمذي – رحمه الله .
كما كان يحضر درس التفسير الذي كان يمليه الشيخ العلامة علي بن عبد الله عاموه – والد القاضي محمد .
*
شيخنا العلامة القاضي أحمد بن عثمان بن محمد بن عمر بن عبد العزيز مطير ، المتوفى – رحمه الله – سنة ١٤١٥هـ ، قرأ عليه بعضا من متممة الأجرومية .
*
شيخنا العلامة الأستاذ الكبير صغير بن سليمان بن حميد حكمي ، المتوفى – رحمه الله – سنة ١٤٢١هـ ، قرأ عليه في بعض علوم اللغة والبلاغة .
*
الفقيه العلامة الأستاذ الأديب عايش بن حسن مدني ، المتوفى – رحمه الله – سنة ١٣٨٢هـ ، قرأ عليه في سفينة النجا ، وأخذ عنه الخط ، وغيره من العلوم والفنون الأولية .
*
العلامة النحوي محمد بن أحمد قشاعة الصنعاني ، قرأ عليه في بعض علوم اللغة والبلاغة .
*
الشيخ العلامة محمد بن أحمد فقيه الحنفي ، قرأ عليه بعضا من أصول السرخسي ، وأجازه إجازة عامة .
*
السيد العلامة حسن بن أحمد بن عبد الباري بن أحمد بن محمد بن عبد الباري الأهدل – منصب المراوعة – المتوفى – رحمه الله – سنة ١٤١٩هـ ، أجازه وأجاز شيخه العلامة القاضي عبد القادر بن يحيى مكرم ، وتلميذه العلامة أحمد بن محمد بن حسين عاموه إجازة عامة فيما يجوز له روايته ودرايته ، وأجاز الشيخين محمد وأحمد إجازة خاصة في رياض الصالحين للإمام النووي ، وذلك كما جاء في ترجمة السيد حسن بن أحمد بن عبد الباري المزبورة بقلم تلميذه السيد العلامة محمد بن محمد بن عبده سليمان الأهدل – عافاه الله .
*
الفقيه العلامة محمد بن عبد الخالق قبول الهندي ، أجازه إجازة خاصة في مؤلفه في الأصول ، وأخرى عامة .
*
الشيخ العلامة جابر شماع ، أجازه إجازة خاصة في القراءات السبع .
*
الأستاذ الكبير محمد بن فرج العديني ، المتوفى - رحمه الله – في رمضان الماضي سنة ١٤٣٨هـ ، أخذ عنه في بعض علوم اللغة والأدب .
من كبار المشايخ الذين عاصرهم وصاحبهم وناقشهم وذاكرهم واستفاد منهم واستفادوا منه :
صاحب – رحمه الله – جمعا لا يحصى من مشايخ العلم غير من ذكر ، منهم من قضى نحبه ، ومنهم من لا زال على قيد الحياة ، منهم : السيد العلامة أحمد بن محمد الأهدل – مفتي الحديدة ومنصبها ، والشيخ العلامة عبد الله بن محمد مكرم ، وأخواه الفقيهين أحمد وخليل ، والفقيه العلامة أبكر بن امحمد بن أبكر بكيرة ، والشيخ عمر أحمد سيف ، والسيد العلامة يحيى بن عمر مقبول الأهدل المشهور بالضرير – مفتي الدريهمي ، والشيخ العلامة أحمد بن عوض صديق ، وشيخنا العلامة محمد بن علي بن محمد العقيلي ، والشيخ العلامة الفقيه محمد بن علي بن سالم مرعي – مفتي الحديدة حاليا – وشيخنا العلامة الأستاذ عبد الله بن إبراهيم الضحوي ، واخاه حسنا ، وشيخنا العلامة أحمد بن عبد الله الضامري ، والفقيه العلامة احمد بن عبد الباري عاموه – مفتي الاحناف – واللشيخ العلامة علي بن عمر الزيلعي ، والسيد العلامة حسن بن أحمد خيرات ، وغيرهم الكثير ممن لا سبيل إلى حصرهم ، من داخل الحديدة ومن خارجها ، ومن خارج اليمن ممن التقاهم في مواسم الحج .
وقد جالسهم ، وذاكرهم ، وناقشهم وناقشوه ، واستفاد من علومهم ، واستفادوا من علومه .
تدريسه وتلامذته:
وقد وهب حياته للتدريس في مسجد دحمان كبير وفي منزله ، لا متعة له ، ولا راحة إلا بذلك ، وتلامذته كثيرون لا سبيل إلى حصرهم أيضا ، ومن أجلهم الشيخ العلامة أحمد بن محمد بن حسين عاموه ، وولده الشيخ العلامة محمد بن أحمد بن محمد عاموه ، ، والشيخ العلامة حسن بن أحمد بن عوض صديق ، والشيخ العلامة علي بن أحمد شبيط ، والشيخ العلامة عادل بن سليمان بن أحمد عايش الضحوي ، والشيخ العلامة وائل النجار ، والشيخ العلامة وضاح بن عمر ثابت البناء وأخوه الفقيه العلامة وليد بن عمر بن ثابت البناء ، والشيخ عبد الحفيظ بن حسن النهاري ، غيرهم الكثير ، سوى طلبته في المدارس أيام كان مدرسا .
وقد شرفني - رحمه الله – باجازة خاصة في رواية صحيح البخاري عنه إجازة لفظية وخطية ، وأوصاني فيها بما يوصي به المشايخ طلابهم ، غير أنه لم يستجب لطلبي ابتداء ، بل قال لي: أنا لست أهلا لاجازتك ، أنا من يستجيز منكم ، تواضعا منه كما عهدناه دائما .
مشاركاته في حلقة صحيح البخاري ومناقشاته ومذاكرته:
وبعد أن وقع الخلاف حول رئاسة حلقة البخاري الرئيسية بين بني المكرم والشيخ محمد بن علي المرعي ، أيهم أحق برواية السند قرر الشيخ محمد حسين فقيرة فتح حلقة أخرى لقراءة الصحيح سنويا في جامع دحمان بسنده عن شيخه العلامة القاضي عبد القادر مكرم ، لزيادة الخير ، وجعل موعد بدايتها سابقا لموعد بداية حلقة الجامع الأم ليتسنى له المشاركة في حضور افتتاح حلقة الجامع وحضور الحلقة البدرية وحلقة الختم ، وظل مواظبا على حضور هذه الحلقات مثريا لها بالمذاكرات والنقاشات التي تفيد العوام ، وكانت لديه طاقة كبيرة للنقاش والمباحثة في مسائل الفقه ، مما كان يضايق بعض المشايخ فيطلبون الاستمرار في القراءة ، فكنت كثيرا ما أسمعه – رحمه الله – يقول: (نحن لسنا متعبدين بتلاوة الحديث ، إنما نحن متعبدون بتلاوة القرآن وشرح الحديث وبيان ما فيه من أحكام فقهية للناس)
تواضعه :
وبرغم علو منزلته ورسوخ قدمه في العلم إلا أنه كان متواضعا شديد التواضع هاضما نفسه ، لا يرى لها أي حظ ، وكان إذا ذكر مسالة في حلقة العلم أو حلقة صحيح البخاري يقول: ما قول سادتي العلماء !!!!
وكان يفيض على طلبته من الألقاب ما يشجعهم على الاستمرار في طلب العلم ، كأسلوب من أساليب التربية والتحفيز .
وكان إذا التقاه أحد يتصارع معه مصارعة ، كل يريد تقبيل يد الآخر ، فإن غلبه الشخص قال: استغفر الله العظيم .
حياته العملية :
بدأت حياته العملية مدرسا في بداية العهد الجمهوري ، بمدرسة الوعي التربوي ، ثم انتقل للعمل في شركة النفط التي كانت تعرف بشركة المحروقات ، وظل بها حتى أحيل على المعاش ، لعله بداية الثمانينات .
كما ساهم مع مشايخ العلم في تخصيص جزء من وقت فراغه للتدريس في المعهد الديني المسائي الذي أنشأ في السبعينات من القرن الميلادي الماضي لرفع الأمية من ناحية ، ولتدريس علوم الشرع واللغة من ناحية أخرى .
وتم اختياره سنة ١٤٠٦هـ مأمونا شرعيا لحارة الشحارية والقصر ، خلفا للسيد العلامة عبد الرحمن الهجام - رحمه الله .
سماته وشمائله :
كان ذا سمات حسنة ، وأخلاق عالية ، وشيم كريمة ، تربى عليها منذ صباه ، وصقلها بالعلم ومجالسة العلماء - رضي الله عنهم - فلا تراه متأففا ولا متضجرا ، بل كان ذا همة عالية انصبت همته في التعليم والتدريس .
نعم لم نقف له على كتاب أو مؤلف لكن كل طالب من طلابه يمثل بحد ذاته كتابا ، بما يشتمل عليه من أخلاق الشيخ وعلومه .
مرضه ووفاته رحمه الله :
ولم يحل بينه وبين التدريس سوى ذلك المرض المزمن الذي أقعده طريح الفراش حوالي اربع سنوات ، فصبر واحتسب ، ولم يتبرم من قضاء الله ، حتى وافاه الأجل على أحسن حال وأطيبها في التاريخ المتقدم .
وأعقب بعد رحيله فراغا ، نسأل الله تعالى أن يؤهل من أهل العلم من يقوم مقامه ، ولعل تلميذه الشيخ محمد بن أحمد عاموه خير خلف لخير سلف ، نحسبه كذلك ، ولا نزكي على الله أحدا .
ذريته - حفظهم الله وبارك فيهم :
وقد توفي شيخنا عن أربعة من الولد أكبرهم الدكتور حسين فقيرة ، ويليه الأستاذ سعيد ، فالأستاذ عبد الودود ، ثم الأستاذ معاذ – بارك الله فيهم ورزقهم بر والديهم ، وجعل منهم من يرث العلم ، فلا يزال العلم متوارثا في بيت فقيرة منذ أمد ، ولا ينزع الله السر من أهله .
وهذا غيض من فيض من سيرة شيخنا – رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته وأخلفه علينا وعلى الامة الإسلامية خيرا ، والهمنا الصبر والسلوان .
وإنا لله وإنا اليه راجعون
========
** اديب و باحث و مؤرخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق