بنوادر المثل الشعبي التهامي
يأتينك شهيات ، رشيقات ، أنيقات يتدفقن متضاحكات بعذوبة سحرهن الفتي ، الفن ، الإبداع
الفذ فيخصبن الخيال فضاءات عامرة يتزاهر ببراعة استيعابهن الطريف ، الظريف بحيوية التحفة
النادرة ، المحكمة اقتضاباً بديع التركيز اعتناءً بديناميكية الذروة التفاعلية بمنظور
افتراضي لتشخيص حالة أو مشهد فزع الخائر المتداعي للبغتة رعديداً بمخرجات مشاعر الحصار
وفقد السيطرة
سمراوات..
خفيفات الظل ... !!!
محمد شنيني بقش
كم كنت فضوليا .. هنا .. على قمر الفازة (ميناء
اليمن التاريخي على البحر الأحمر ) .. بهذا النهد البديع .. ملتقى عشاق هذه
المليحة السمراء سمراً يتضاحك بتثنيها مطراً تزجيه على أعطافها نشوة عروس يتهادى على ضفاف
بهجتها كرنفال الشوق شهياً ، شهياً حتى مطلع الفجر .
كلهم كانوا غاية في الانهماك انشغالاً بها .. كنت فيهم قصياً عنهم.. أضحك
غراماً معهم .. يضحكون هياماً و حدهم .. لم أحظ باهتمام أي منهم .. لم أكن بهم
الرقم المعدود كأي منهم .. لم يستوعبوني ولو كمشروع عاشق .
لم تكن مفردات العشق والغرام قد جرت على لساني أو وردت بقاموسي اذ كنت
صبياً في العاشرة أو تاليتها (وقتئذ) .. استثارتني فضولاً .. أدهشتني .. صرت متيماً بها شغوفاً بأخواتها .
ملتقى عشاقها
أجد في المستطاب هنا استحداث هذه المحطة على قارعة الشوق، بل على ضفاف
الغرام لنعرج منها على المكان (ملتقى عشاقهن ) أي تلك المليحة وأخواتها السمراوات
لنتعرف عليه عسى أن ينفعنا أو نتخذ مثلاً يهدينا إلى كفاءات فك شفرات أو معرفة
مفاتيح أو فقه واستيعاب خارطة فجغرافيا الجمال، الإبداع، الفن، بل اليمن ..
التاريخ ، الحضارة .
ان هذا المكان ( ملتقى عشاقهن ) تل أو مرتفع طيني يبرز وأقرانه، النهود
المصطفة بموازاته (إلى الشرق) بأروع و أبدع ما تكون عروش الحسن .. لها قواعد أهرام
يهامس الماء أطراف اصابع أقدامها بعذوبة انسياب جريانه على تموج ثوب المليحة
المرصع بالعطر الذي تتسامى به أنفاس النسيمات مخضرة بنضرة الفردوس ملء رئة المكان
، بل عروش حسن عروس احلام الزمان ، النهود ( التلال ) التي يتألف من مجموعها
الممكن وصفه بالسطح الذي يبرز متمايزاً عن تالياته شرقاً ليبدو شكلاً هندسياً
يستطيل نحواً من (1000) متر هي هنا الضفة الشمالية لمجرى السيل ، بل تراكمات خصوبة
أحلام الزمن الجميل، رواسب الخير التي يحملها وادي زبيد المبارك متدفقاً بمياه
الأمطار سيولاً يبلغ بها (هنا) المحطة التي تتوسط تقريباً محطات منتهى أشواقه ، بل
حيث يبلغ الشوق محله بمصباته ( بشواطئ الفازة ) في البحر الأحمر .
و من بين عروش
حسن عروس احلام الزمان ( هذه ) يتميز
ملتقى عشاقهن ببروزه الفذ مطلاً على
اللوحة البديعة، الساحرة بنحو من منخفض واحد متمايز المحتوى متآزر البوح بجمال
كلية المكان إذ يتمايز بهذا المنخفض مكوناته الثلاثة مجرى السيل من الجنوب والبحر
من الغرب و(شرم الكاذية) من الشمال وهو ( الشرم ) الذي كان مغموراً بالمياه العذبة
على الشاطئ وتصطف باتساعه أشجار نخيل الكاذي العطرية لذلك حملت هذه المنطقة (من الفازة) اسمها (الكاذية) .
انه المكان الذي كم و كم راق وراق للعشاق ميقاتاً خصوصاً مع سكون وصفاء
الليل المقمر إذ يسمو ويسمو الكاذي سلاما شذياً يسكر الأفق ملء رئة الأحلام
الممازجة عذوبة همس الموج المتزع بأنفاس نشوة الفازة شوقاً ذهبياً بأفترار وانهمار
شفتيها بامتداد شواطئها وآفاق أعماق أشواق نوارسها الهاجعة بدفء نهود الكاذية
انصاتاً لذيذاً لما يتلى من بينات ومحكمات سورة الحسن لجيناً فاض مخضراً بجبين
وعيون القمر فأزهر وجنتيه بشرايين الموج بساطاً لؤلؤياً هيج في السكون ذات ما هيج
فيه السكون الغرام .. و ما أدراك أي الغرام فاح
به و منه الانشراح بأرواح الملاح عذراوات القصيد، هيماوات النشيد المتناثر
على ضفاف اغنية القمر، المطر ، العطر الشهي
النفحات على افترار شفة البراري
التي على انبجاسها ينهمر الهديل الشذي انسياباً على قيثار أبكار الألق الزكي ،
المغازل أناقة ورشاقة جمال وجلال الأميرات ، مائسات القدود الباسقات ، نخيل وادي
المُدَمَّن ، الذي منه الفازَّة التي بها وأختها (القبة ) عرف التاريخ أول نخل في
تهامة .. ومنها وأخواتها التاليات من جهات البر الثلاث يتكون وادي المُدَمَّن
، أكبر وأجمل وديان النخيل في اليمن .
وهو
ذاته (المدمن) المعروف باسمه التاريخي ( نخل الوادي زبيد) المستحوذ على اهتمام
عشاق الجمال عبر الزمن من خصوصا ملوك العهد الرسولي الذين اهتموا به أيما اهتمام
واتخذوا من عدة مناطق منه مصايف لهم كالفازة والكاذية ودار العذيب وأخواتهن
المعلومات بجمال الحضور بصدور وسطور التاريخ كأعلام (بنخل الوادي زبيد) مازالت كل
منهم مع أخواتها مؤلفة كلية جمال هذا المعلوم اليوم بل المعروف (إدارياً ) بقرية
المُدَمَّن والمحلات التابعة لها من عزلة القراشية السفلى مديرية التحيتا محافظة
الحديدة .
وبعمق الألق، اليمن، الحضارة ، الفن، التاريخ تتواجد محاسن المكان (
المُدَمَّن ) جميلة الذكر في روائع وبدائع القصائد والموشحات والأغاني الفصيحة
والعامية ومنها غير يسير من الشهيرة والرائجة حتى اليوم إنما يردها الشادي
ويتلقاها الجمهور دون علم بالمقصود ( المكان ) الأمر الذي مازلنا بحاجة إلى الكثير
لتوثيقه وتحقيقه إذ لا أجد حتى اليوم كفاية جهود ونتائج تحقيق وتوثيق المكان في
نتاج الإبداع الموروث بشكل عام .
وكمثل يستطاب كثيراً التوقف بين يديه لنعرج من خلاله على (دار العذيب ) الوارد ذكرها بتلك الرائعة
المباركة الزكية التي تبعثنا طمعاً ورجاء بفضل الله الرؤوف الكريم المنان وتكسونا
خشوعاً بيقين الإيمان بوحدانيته تعالى .
إنها الرائعة المباركة الشهيرة قصيدة الرائع المبارك شاعر الذات الإلهية
فضيلة الشيخ المرحوم عبدالرحيم البرعي الذي تغنى بهذه الجميلة (دار العذيب) بخاتمة
هذه القصيدة التي يقول بمطلعها :
قف بالخضوع وناد ربك ياهو ان الكريم
يجيب من ناداه
و بخاتمتها قال طيب الله ثراه :
ما لي إذا ضاقت وجوه مذاهبي أحد ألوذ بركنه إلا هو
ثم الصلاة على النبي تخصه و تعم بالخيرات من و الاه
ما ناح في دار العذيب مغرد أو لاح بين الأبرقين سناه
على ذات القمر ... توقف اضطراري ... !!
اضطرني القدر للتوقف هنا ، على ذات القمر ..
قمر الفازة (ميناء اليمن التاريخي على البحر الأحمر ) إذ كنت ورفيقي ابن العشرين
ربيعا ، الشاب و الطالب الجامعي ابني البكر ( معاذ ) مستطيبين النزهة على قمر و
شواطئ الفازة و .. و ..
فجأة .. الحمد
لله .. لم يصب أي منا بأي أذى إذ ( بنشر ) اصيب ( تاير المتور ) أطار الدراجة
النارية بثقب أفرغه من محتواه ( الهواء )
فكان لزاما التوقف الاضطراري هنا .
لقد
كنا و القدر على موعد غير متوقع .. انه (
المشار اليه آنفا ) ( التوقف الذي اضطرني
اليه القدر ، على ذات القمر .. قمر الفازة.. بل هنا بالتحديد ، عند النهاية الجنوبية لذات المنخفض بل الضفة
الجنوبية لهذا الموقع من مصبات و ادي زبيد المبارك.
...و....و... هناك ..
جنوبا .. على نحو 2000 متر من هنا ، بمنطقة القزعة ( من الفازة ) أقرب المواقع التي كان على
رفيقي ( معاذ ) الذهاب اليها
لإصلاح ( تاير المتور ) اطار الدراجة النارية التي ساربها بالاحتراس المناسب لوضع
الاطار المثقوب ( المبنشر ) .
و قبل ان يتحرك بالدراجة افصح معاذ عن اهتمامه برفيقه (
ابيه ) اذ قال ما معناه انه لن يتركني انتظره طويلا او الحق به سيرا على الاقدام
بل فور وصوله القزعة سيرسل صديقا ليأخذني بدراجته
شكرت شعوره و
اهتمامه و اخبرته ان عليه ان يتوكل على الله و يذهب لإصلاح ( تاير ) اطار الدراجة
لأفصح في الوقت ذاته انني قررت انتظاره هناك ، على نحو 300 متر من هنا النهاية الشمالية
لذات المنخفض اي الضفة الشمالية لذات الموقع ( المنخفض ) من مصبات و ادي زبيد بل قاعدة ( السالف ذكره
) نهد الكاذية ، ملتقى عشاق تلك المليحة السمراء و أخواتها و.. على نحو من
الدعابة قلت و لم يستوعب شيئا من قولي : لقد اضطرنا القدر
للتوقف على ذات القمر ، قمر الفازة و .. هنا بالذات .. كم أثار هذا القدر حنيني
الى نهد الكاذية .. و .. ذهب معاذ لمهمته برعاية الله و حفظه
أنين النهد ...!!
لم أكد التقط أنفاس الحنين المشتعل إلى نهد
الكاذية ببلوغي ذروته حتى اشتعلت التحية ( السلام على المكان) فزعاً لتعود أدراجها
إلى أعماقي في ذهول ،وأي ذهول . ...!!
و
ادلهمت اللحظة ، اكفهر المدى، ضاق جفن القمر و تخشبت شرايين الموج إذ تجمدت
أنفاس الشاطئ وتلظى فؤاده أسفاً ،
عتبا ، حسرة، أنينا ضج به صدر الكاذية ، لهفاً تناثر له نهدها وتقرحت مقلتاها ..
أين
العبير.. عطر الكاذي .. و.. لقد جف الماء الذي كان يغمر هذا المنخفض (شرم الكاذية)
وابتلع مد البحر أشجار نخيل الكاذي .. و.. عشاقها.. أين عشاقها .. ؟! كذلك ابتلعهم
مد التقنية .. مخرجات ثورة العصر .. كم وكيف الطاغي المتسارع الذي أفرغ أجسادنا
منا .. مازال يرى بقايانا.. لن يتركنا حتى لا يبقى فينا شيء منا و.. من منا يبحث
عنا.. ؟؟ و.. أسئلة تبحث عنا فينا . ...!!
عتب المليحة ..!!
و بذروة نهد الكاذية المتناثر لهفاً ، عتبا
، أسفاً ، حسرة، أنينا جاءت طيبة الذكر الفاتنة السمراء .. لم يتغير شيء منها كل
مفاتنها التي كانت عليها بها ، منها فيها ... مازالت ذات العذراء الغانية الفاتنة
الحسناء و .. تداعت بمفاتنها غضباً ،
أسفاً، عاتبة ثارت .. ما هذا ..لا .. لا
.. محال .. محال .. لا .. لا .. لا أصدق.. لا أطيق .. و .. و .. تتفحصني ..و .. و .. و تقطرت .. جرت عيناها حمماً من
أسف و .. و .. ما أسف الفاتنة السمراء.. !!
و..
و... أنظر ماذا ؟! كفها .. الصفحة.. المرأة.. نظرت أعلم.. أعلم.. هذا وجهي .. لا
أجهله.. فماذا تظنين !!.
وابيضت
عيناها من الحزن.. وما الحزن الذي تلظت له
شفتاها أسئلة .. كيف ، لماذا صرت غبياً جداً يا عزيزي الغالي .. إن غباءك سر
شيخوختك ، لقد أسرفت استسلاماً وتداعياً لهذا المخجل و .. و ..
طال
السفر .. متى العودة ... مالي افتش عنك فيك ولا أراك .. لماذا
وكيف تواريت منك .. أسلمت نفسك للشيخوخة ... صرت الظمأ الجدب ...
استسلمت للتملح والجفاف وعوامل التعرية التي أعملت فيك مخالبها وعاثت بأرجائك
وأفقدتك غطاءك الجمالي وشردت مكوناتك الفطرية وصيرتك ذلولاً للزحف و للنحت و للجرف
الصحراوي .. لقد تغيرت تضاريسك .. لقد صرت خارطة أخرى .. ...!!
وصمتت
هنيهة تتأمل وجهي لتعاود الخطاب بلهفة عاتبة لا يخفى الرجاء بها إذ تثنت بحميمية
الود والعروة الوثقى ... أرجوك عد إليّ ... أعدني إليك ... أعد عشاقي ، اصنعهم من
جديد .. أرجوك حاول .. حاول .. ثق أنك لن تفشل .. حاول ..!!
هل من عاشق
و
عاد معاذ برعاية الله و حفظه بعد أن أكمل
مهمته لنستطيب معاً الجلوس بالمكان بعض الوقت .. و .. بنحو من الدعابة قلت له : إن
أباك وجد نفسه بهذا الموقع مغرماً بمليحة سمراء .. لقد عشقتها قبل ميلادك (1990 م
) بنحو (15) عاماً . ...!!
و
قرأت في عينيه قمرا فاض فؤاده بسطوع التلذذ باستيعاب فضاءات القيمة الفنية و
الأدبية التي تجلت ملء عينيه فضولا كتم أنفاسه موج الخجل الطاغي الذي أعمله فيه
الحصار بمهابة و جلال الأب بعيون الابن الذي
لم يفلح أبوه أن ينجيه منه إلا يسيرا لا تتجاوز أعلى مستوياته استيقانه أن أباه
يشجع فيه الصداقة و الحوار الامر الذي تجلى
حضوره فيه بثنائية معاذ الواثق و المقتنع بصدق و صواب قول أبيه و معاذ
الشخصية الظريفة الأنيقة التعاطي مع مفردات كهذه ( السالف ذكرها ) التي بادره بها
ابوه بقوله : ( إن أباك وجد نفسه بهذا الموقع مغرماً بمليحة سمراء .. لقد عشقتها
قبل ميلادك(1990 م ) بنحو من (15) عاماً )
و
مع هذا كان مأخوذا برهبة مقام ابيه فكتم أنفاس فضوله و تمتم بقوله ( 15 عاما قبل
ميلادي اي 1975 م لقد كان عمرك ( يا أبي ) نحو 12 عاما ) و . .
اكتفيت بهذا منه و اخذت اقص عليه قصة غرامي
و عرفته على تلك الفاتنة ، السمراء معشوقتي التي صرت شغوفا بها و بأخواتها
و
.. فعلاً .. استطابها صارحني بعشقها وأخواتها و..........بل و جدته الشاب النموذج إذ
لم يكن يعلم عنهن شيئاً قبل هذه اللحظة...
وتكرر
الأمر بأكثر من منطقة ليبدو في المؤكد غيابهن لا عن جيل الشباب فحسب بل بغالبية
مفزعة من الكبار لحدود يمكن القول معها أن هذه المناطق لم تعرف شيئاً عن هذه
السمراء وأخواتها ليتجلى الأمر بأكثر و
أعلى الأهميات داعيا إلى العمل على توثيقهن والتعريف بهن ، بل لصناعة عشاقهن من
جديد .
حسناوات الزمن
إنهن أنس المجالس ينتمين لذلك العالم البهي ملء عيون وألباب الأحياء ، بل نتاج جهد المبدع الذي نمنمهن وأتقن هندسة مفاتنهن حياة تجري بأوردة الحروف والمفردات بتكوين حي بديع في نصوص إبداعية محكمة البناء بصيغ أقاصيص بديعة تجري بها المشاهد عالماً من المثير و المدهش .
حصاد الفشل
حاولت ترتيب أوراقي وفشلت في ترتيب مكونات
الجمال فرز ألوانه بهذا الجهد المتواضع للتعرف على ( سمراوات ... خفيفات الظل !! )
ومع هذا ادعي انني ما زلت بهن باحثاً عنهن ...
أنسابهن مكان وزمان ميلاد كل منهن .... هوياتهن ... باختصار بيانات البطاقة
الشخصية لكل منهن .
و قبل أن اغادر هذا التوقيع الموسوم بـ (
حصاد الفشل ) استطيب الإشارة الى انني اتخذت من تلك الليلة التي كنت فيها طفلا
فضوليا بملتقى عشاقهن ( نهد الكاذية ) السالف الذكر مدخلا فخلقية عن الحضور الذي
كان لـ ( سمراوات ... خفيفات الظل !! ) و ما أهدرنا منا بغيابهن أو تباعدنا عنا
انشغالا عنهن حتى افتقدنا لونا أنيقا عريقا من مفردات تكويننا الثقافي و الحضاري
انها رحلة بدأت بتلك اللحظات التي كنت و
ابني البكر ( معاذ ) بذات الموقع ( نهد الكاذية ) بعد نحو ( 35 ) عاما من تلك
الليلة التي كنت فيها بعشاقهن ذلكم الطفل الفضولي و ...
و مع استدعاء المحفوظات وجدت بعض الفراغات
ببعض النصوص المحفوظة و بالتالي لم أجد بداً من محاولات التدخل لا في بناء وصيغة
النص إنما في لملمة متناثر الذكريات بشيء من محاولات الترميم للأجزاء المفقودة
لملء الشاغر لاكتمال منظومة الحدث الأمر الذي أتمنى على عيون وألباب وأقلام
الأفاضل والفضليات الجود بما يلزم حيث يجدون الاحتياج للتصويب أو الأفضل والأجمل .
مرحبا بكم .. ها هي ذي المحاولة الابتدائية بل
خلاصة رحلة هذا الجهد المتواضع المدعي انه بمهمة التعرف على ( سمراوات ... خفيفات الظل
!! ) فتفضلوا مشكورين بالاطلاع و تقبلوا خالص
فشلي لكم صادق حبي ..
أنس المجالس
إنهن
أنس المجالس ينتمين لعالم أو مملكة البهاء ، نتاج تجليات المبدع الذي نمنمهن وأتقن هندسة
مفاتنهن حياة تجري بأوردة الحروف والمفردات بتكوين نابض بالدهشة .
و
يأتين كنصوص إبداعية محكمة البناء بصيغ أقاصيص بديعة تجري بها المشاهد عالماً من
المثير المدهش على لسان وحركات وأداء المبدع الفطري الخفيف الظل والروح بالضرورة
وهو وحده القادر على زفاف ( سمروات .. خفيفات الظل ) إلى خطابهن بما يمتلك من
قدرات وطاقات وإمكانيات إبداعية تجعله وحده الذي يستخلص مجالسيه بإبداعه الذي يصير
به الممثل الرسام بالكلمات والإيماءات والحركات منظوراً تجري شخوصه وبيئته وظروفه
على خشبة مسرح ( افتراضي ) يتخلق ويتجلى به المثير المدهش غاية في المتعة .
إنه
الفنان الفطري ،حافظ النص، مصمم الديكور، الممثل والمخرج و...و وحده المتفاعل
المتميز برأس الحلقة الدائرية على القمر سمراً أو بنحو منه أو باستدعاء الموافق
لمحاكاة وتفسير حدث أو موقف الأمر الذي تأتي به هذه الفرائد ( نصوص الأقاصيص )
بمجاري الأمثال بقدراتها وإمكانياتها المتحفة الداعية للتأمل والدراسة و...
ولا
أدعي هنا غير محاولة ابتدائية ليس لها إلا اليسير من كفاءات الإبصار المعتد به
علمياً ومنهجياً و ... و ...
ربما
كنت فضولياً بأقلام الاعتناء بها تماماً
كما كنت فضولياً بعشاقها الذين كنت فيهم بملتقاهم ( نهد الكاذية ) كما سبق الذكر .
عموما ، أبث ما تيسر عن هذه النصوص والأنماط
القصصية بالمحاولة التأملية الأولية التي احسبني أدركت بها التاليات ذكرا.
ـ إن هذا القصص الجاري مجرى المثل الشعبي
لون أدبي وفني إبداعي من فريد نفائس الموروث الثقافي والحضاري العريق مطلقاً .
ـ. وأنه ( هذا القصص) يجري على لسان وأداء الفنان
الشعبي الفطري الخفيف الظل والروح (بالضرورة) و يأتي غاية في الدهشة والمتعة
والإثارة في لحظة كوميدية ساخرة تتسع لعالم من المتفاعلات المثيرة الضحك الناقد .
ـ وبمجملها تبدو هذه النصوص وثيقة الصلة بمؤديها
البارع بالضرورة في أدائها ( كما سبق) أو تبدو غير نافذة لأعماق المتلقي بذات ما تأتي
به من المبدع الفطري مثيراً مدهشاً .
ـ وتأتي هذه النماذج بشكل عام لوصف وتشخيص أنماط
وصيغ من السلوك غير السوي مطلقاً كأقاصيص تمثيلية خفيفة الظل تثير الدهشة الساخرة والنافذة
بذات الوقت
ـ ومن غير المستبعد أن يمثل هذا القصص نظرة
مبكرة ومتقدمة لتوظيف الفن لتحقيق أهداف الحرب النفسية بنحو من ( كيف تجعل الخصم
مضحكاً ...!! )
ـ كما
أن اتجاهات هذا القصص لا تخلو من إمكانيات الإسهام في تحقيق أهداف تربوية وتثقيفية
ناقدة وموجهة بذات الوقت بالتناول الساخر لمظاهر غير السوي وبالتالي تجلية الحميد
بنقد وتعرية الضد المستقبح وغير المحترم ..
- و تبدو الحاضرة اليمنية في تهامة ( زبيد ) مدينة العلم
و العلماء و عاصمة الممالك و مركز النفوذ الإقليمي ذات شأن في الاحتمالات الأقرب
للمؤكدة ( على الأقل ) بأن ينتمي اليها هذا اللون الابداعي الفذ بسياقاته التي
تتجلى بها بساطة لسانها و عمق دلالاتها فعظمة أهدافها و كفاءات بلوغ مراميها من
خلال قدرات رواجها و استعذابها و استيعابها بكل شرائح المجتمع أو الغالبية
العظمى من المجتمع
قبيل زفافهن
قبل
زفافهن بالتاليات ذكرا نحاول تأمل ملامحهن بل فحص بيانات مفاتنهن إذ يأتينك بمذاق
ولون الظمأ إلى ما يكتنزن من فرائد ونفائس الإغراء المثير، الطروب، الريان ، فتِّيات..
وأي فتِّيات .... !!
لقد
اصطبغن بلون ومذاق وعبير البحر والشطآن والوديان بتهامة الخير والفن والجمال فأتين
( سمراوات ـ خفيفات الظل) إبداعاً فذاً يتلو بينات الغرام ومحكمات الهيام بفضاءات
الألق الفني العريق المتغلغل في أعماق الوجود يمينا زكياً .. تهامياً سوياً ..
بالطبع
هناك .. بأعماق الزمان ، لكل منهن لحظة
ميلاد غابت كما غاب المكان أي أين بالتحديد من تهامة ... هكذا .. لهذا ( كاتب
الأسطر) على الأقل .
وبين
ذينك ( زمان ومكان ميلاد كل منهن) الغائبين كانت محاولة الارتحال ، بل الانشغال
بهذه كلما وجدت سبيلا ، هنا وهناك لأجد نفسي أمام حاضر غير قادر على الإجابة
القاطعة (قول كل خطيب) فكان استحسان الاحوط المؤيد بتلك النماذج المكررة معانيها ومبانيها
بالحاضرات حتى اليوم من موروثاتنا الشفهية بتمايز محكوم بحركات اللسان الشعبي
اليمني المعلوم شأنه وأهميته التي منها التعريف بجزئيات وخصوصيات كل منطقة بمحتوى
وقوام الموروث واتجاهاته و...و.... ذاته القابل للجريان على لسان اليمني بلهجاته
المتعددة وبيئاته وتفاصيلها المتنوعة لأداء ذات الغرض أو غيره من جنسه أو فئته
التي هي في ( سمراوات ... خفيفات الظل ) ... الناقدة الساخرة .
وبذات
الاتجاه أو تحت ذات ( الأحوط ) اتجه إلى افتراض تكرار ذات اللون من الفن والإبداع
الموروث في عموم اليمن إذ لا أجد بعدم وقوفي على أي نموذج من ذات اللون إلا
الاحتياط بافتراض تكرار المشهد الذي وجدت عليه الحال بتهامة بل حيث تمكنت البحث من
تهامة إذ لم يفد أحد بتواجد هذا النموذج في دياره ويؤكد أنه لم يسمع مثله لا
بمورثات منطقته أو غيرها ..
وذات
الاجابة وجدتها بأقرب نطاق أتوسم فيه العلم بها إلا يسرا لا أكاد أعتمده للجزم
بانتفاء تكرار هذا اللون أو الصيغ بغير تهامة .
نكهة أشعرية
إنه
اللسان الذي أحفظهن به .. هكذا (باستثناء المشار اليهن بمواضعهن بالتاليات ذكرا ) جئنني
أشعريات و لا أعني بالضرورة أن كل المنطقة الأشعرية تعرفهن .. بل لكل منهن مذاق
ولون تحدده حركة اللسان بواحدة أو أكثر من المناطق الأشعرية بمنخفض سهل تهامة
والمحددة اليوم بجغرافيا مديريات زبيد ، التحيتا ، الخوخة ، حيس ، الجراحي
(بمحافظة الحديدة) والمخا بمحافظة تعز ومن هذه المديريات واختيهن جبل راس بالحديدة
ومقبنة ( شمير) بتعز تتكون أرض قبيلة الأشاعرة اليمنية المعروفة ومنها أبو موسى
الأشعري رضي الله عنه .
وبذات
اللسان الأشعري الذي يأتين عليه لا ينتفي بل يتأكد بغير واحدة منهن احتمال الاتساع
شمالاً إلى الحديدة ( على الأقل) وجنوباً إلى المضاربة ورأس العارة بمحافظة لحج .
بمواكبهن
إنها
مواكب زفافهن ... بل محاولة تقديمهن فتلبية الشوق الذي لم يأت السبيل اليه على هذا
الترتيب إلا لمحاولة البوح بما تيسر من الشجون والشواغل عنهن كنماذج من موروثاتنا
المتواريات أو المندثرات والغائبات عن اهتمامات ومهام اليوم
إنهن
( سمراوات ... خفيفات الظل ..) بالنماذج الناقدة ، الساخرة في مجملها وتتمايز
بشخصياتها بوضوح أجده بعيني مختلفاً لتصنيفهن إلى اربع فئات كما يلي :
الفئة الأولى: السمراء الجامعة ( الصامتة )
الفئة الثانية : السمراء الثنائية ( الصامتة الناطقة )
الفئة الثالثة : السمراء الفراشة
الفئة الرابعة : السمراء السياحية
الفئة الأولى: السمراء الجامعة (
الصامتة )
النموذج 1 - 1 ـ (يضرب بامصحن في امزبدية)
النموذج 2 - 1 ـ (يضرب بامودي في امشهف)
إنهما نموذجان للسمراوات خفيفات الظل من هذه
الفئة الأولى التي اسميها فئة ( السمراء الجامعة ) وحولهما البيان التالي:
النموذج 1 - 1 :
كان
اختيار الفعل ( يضرب ) كتدخل يراد به اختيار الأقرب للمفهوم العام وفي الوقت ذاته
تجدر الاشارة الى أن لفظ الفعل ( يضرب ) ينتفي تماما او يكاد من الالفاظ التي تأتي عليها هذه الفئة ( السمراء الجامعة ) .
غير
أن معناه يحضر من خلال مرادفاته التي تأتي على وزن ( يَفْعُلْ ) بالدارجة المحلية و
من ابرزها ( يديج ، يشبج ، يخبج ، يلبج ، يندف ..) وما شاء الله بصيغتي المضارع (يضرب) أو
الماضي (ضرب) أو هما معاً .
إنها
الصيغ الجارية بأداء وحركات المؤدي المتحف مجالسيه أو مسامريه وتفيد بذروة القلق
والفزع تصرفات غير واعية المعبر عنها بهذا الذي عنه القول بأنه يضرب بامصحن (بالصحن)
في امزبدية (في الزبدية) وهما إناءان فخاريان الأول (الصحن) أكبر بكثير من الثاني
ويستخدم لأغراض الطعام خصوصاً الفتة (الأكلة الشعبية) الشهيرة في تهامة .
وأما
الثاني ( الزبدية ) فأصغر من الصحن و هي بحجم
تلك الآنية المعروفة اليوم بما بين المعلومة لتقديم الشوربة أو المرق ( كأكبر حجما و أكثر سعة
) و بين المستخدمة للمحلبية ( كأصغر حجما و أقل سعة ) .
والنص
( يضرب بامصحن في امزبدية ) خلاصة قصة
يعرضها مؤديها بمسرح افتراضي يجري أحداثه على لسانه وحركاته وأدائه بشكل عام .
إنها
قصة ( س ) غير السوي الذي تم ضبطه بهذا الموقع ( سفرة الطعام ) ولم يجد مبرراً لوجوده حيث لا شأن له فتظاهر
بأنه يقدم خدمة لأهل المكان ليبدوا منهمكاً في تنظيف المكان وتصريف فضلات الطعام
ورفع لصحون كما هو المعلوم في المهام اليومية المألوفة في كل البيوت .
وكالمعلوم
في سلوك السوي المتزن القيام بجمع الصحون الأمر الذي لابأس فيه من وضع الآنية
الأقل حجماً وسعة في الأكبر والأوسع ليسهل حملها ونقلها ففسلها أو تنظيفها وحفظها .
وهنا
تظاهراً بذات المهمة اتجه ( س ) غير السوي إلى تجميع الآنية و .. و ... لم يستطع
الفرار من حقيقته فأخذ ( يضرب بامصحن في امزبدية ) الأكبر والأوسع في الأصغر
والأضيق .
النموذج 2 - 1 :
بذات
الصيغ السالف ذكرها من الفصل ب/ يضرب و ما يرادفه بالدارجة المحلية ( يدبج ، يشبج
... يأتي النص:
(
يضرب بامودي في امشهف ) بذروة المشهد التفاعلي لقصة هذا .. غير السوي الذي تم ضبطه
في المطبخ .
و ( امودي ) الودي هو مخروط منحوت من الحجارة
قاعدته من ( 7ـ10سم ) وطوله ( 15 ـ 20سم ) يشكل مع إناء كأس كبيرة من الخشب أو الحجارة
جهازاً واحداً يسمى الملكد أو المدق إذ توضع التوابل كالثوم والفلفل الأسود والزنجبيل في هذه
الآنية ويمسك بقاعدة المخروط الحجري ( الودي ) ويدق بقاعدته الرفيعة في الآنية الخشبية او الحديدية
.. إنها وظيفة ربة البيت التهامية بمطبخها
.
وأما
المشهف فإنا فخاري هش يستخدم لطباخة السمك وغيره من المطبوخات والمقليات .
وحين
تم ضبط غير السوي هذا بالمطبخ أراد الهروب
أو النجاة من المأزق فلم يجد بداً من التظاهر بأنه لم يأت لسوء ، ليس ذلك فحسب بل لتقديم أو أداء واجب أو خدمة أو .. وكان حظه
الفشل إذ فقد السيطرة والوعي فأخذ ( يضرب بامودي في امشهف ) .
مسرح صامت :
مما
سبق تقدم لنا هذه الفئة ( السمراء الجامعة ) نموذجيها المذكورين جانباً مهماً من مكونات
شخصيتها المميزة لها عن سواها :
أنها
تختص بجريانها على لسان وحركات المبدع الفطري بوصف أقصر المشاهد المسرحية الصامتة
برسم مكوناته وأحداثه بمتقابلاته ومتفاعلاته الصامتة المثيرة بذروة عرضها الذي يفتح
بإغلاق الستار فضاءات الخيال وهجا من الإبداع المسافر في عالم من الحوارات مع
مشاهد فقوانين الحياة أي لا يرد على لسان وأداء وصف وعرض هذه الفئة أن أي من شخوص
المشهد ( قال ) بل فعل كما علمنا
بالنموذجيتين السابقتين ( تم ضبطه فأخذ
يضرب بامصحن في امزبدية ) و ( بامودي في امشهف ) .
ما الجامعة :
اتجهت
لتسمية او وصف هذه الفئة بـ ( السمراء
الجامعة ) لما اجد لها من صلاحية الجريان مثلاً ناقدا ، ساخراً أو محذراً من غير
السوي و فاقد الأهلية التي
هي شأن و مقام يعتمد عليه ويعتد به في مهام و مواقف الرجال أو مجمل ما لا يحترم و لا
يوثق به لعدم الاستقامة أو عدم التمييز أو سوء التصرف والتدبير و ....و.... أو من
( يخلط الحابل بالنابل ) و مطلقاً .
الفئة الثانية : السمراء الثنائية ( الصامتة الناطقة )
النموذج 1 - 2 ـ (ما حدت ليش حمير مجردة في اشواهك ).
النموذج 2 - 2 ـ ـ (فتحت لها شاسرها.. ما
أشابها في ذي الغدرة)
تتميز
هذه الفئة من “سمراوات خفيفات الظل” يجريانها صمتا .. أي بمشاهد صامتة تتحرك ( على
لسان المبدع الفطري ) وفي بواطنها
اتجاهاتها المؤتلفة في تخليق شخصية الواقعة ومسرحها.. و.. حتى الذروة التي تأتي
هنا النهاية الفاتحة خيال المتلقي فضاءات من الإثارة لقراءة التصرف الذي ورد في (
السمراء الجامعة ) فعلاً من الشخصية التي تدور حولها الأحداث.. أما هنا فقولاً ..
أي يقدم المبدع الفطري التصرف بلفظ (قال )
واصفا المنطق الذي يستقيم في بنائه لفظاً مفيداً خيبة و فشل غير السوي المحاول
عبثاً أن يخرج من المأزق الذي وجد نفسه فيه فسقط في شر أعماله كما سنرى تالياً .
النموذج 1 – 2:
( ما
حدت ليش حُمَيِّرُ مُجَرِّدِة في اشواهك )
بدت الفرصة سانحة و مهيئة لسرقة خروف “كبش”
أو نعجة “ شوهة وجمعها أشواه” إذ القطيع يستظل الشجرة والراعي لا أثر له.
وجاء الراعي .. لامجال للهروب.. وما من سبيل
إلا أن يجلس اللص بين النعاج .. بل يصير احدى نعاج القطيع و ... و... و ...
يحبو على ركبتيه و كفيه إذ اصدر الراعي الأمر “هش، هش” أي إذا هش على نعاجه
كي تتحرك فيتحرك اللص بينها حبوا
النعاج تفهم لغة وإشارة راعيها فحيث امرها
سارت و حيث وجهها اتجهت يميناً ، يساراً.. كما أراد.. و..
هناك نعجة غريبة .. غبية ... لم تفهم .. لم تغير اتجاهها.. هناك تصادم كما يبدو بين
النعاج التي غيرت مسارها كما أراد الراعي وبين هذه النعجة التي لم تفهم .. لم تغير
مسارها .. أحدث هذا التصادم ارتباكاً في القطيع
حدد الراعي مكان التصادم و ...
طااااااااااااااااااااااااخ ... بالعصا في ظهر ( اللص ) النعجة التي لم تفهم لغة الراعي و .. و .. ما ذا يصنع اللص و ما السبيل الذي ينجيه و .. و .. و .. لا
شيء سوى أن يرتعد بلحظة الفزع المعززة بالألم في ظهره للضربة العنيفة بعصا الراعي
و .. و .. و .. قال : ها ... ها .. مأ ، مأ ( ما حدت ليش حُمَيِّرُ مُجَرِّدِة في اشواهك
)
اي
(( ما حدت ليش) ألم تر لي (حُمَيِّرُ
) اي حمارا و (حُمَيِّرُ ) بصيغة التصغير
لا تعني هنا صغر الحمار بل للتودد الى الراعي و الحمار تلق على الأنثى ( الأتان )
و ( مُجَرِّدِة ) اي مارة بين ( اشواهك ) اي نعاجك و المفرد ( شوهة ( نعجة ) و... و
.. و .. يبحث عن حماره بين النعاج ، بل بين ارجلها ( من خلال سيره حبوا ) و... و
.. و بتخيل المشهد كيف يمكن للحمار ان يختفي بين قطيع النعاج .. انه اكبر حجما و أكثر
ارتفاعا و سيظهر بجلاء للعين المجردة من على مسافات بعيدة و .. و .. و ..
هكذا
ارد الهروب من الخيبة الى الفشل الذي اوقعه فيه لسانه بلحظة انعدام الحيلة و
انسداد سبل الفرار فانطلق لسانه بهذيانه الذي تداعى طمعا في النجاة من قبضة الراعي
إذ قال : ( ما حدت ليش حُمَيِّرُ مُجَرِّدِة في اشواهك ) و المراد .. لا تقلق ايها الراعي انني ابحث عن
حماري التي ضلت الم ترها بين نعاجك .. أي ليقول بأنه لم يأت الى هنا لغرض سيء و لم
يكن يقصد السرقة فالتخفي بين النعاج و ما كان يحبو بينها الا بحثا عن حماره و
... و... و ... انما ...
هو... كان ... يبحث ثم يسأل ... فقط ... عن
( ضالته ) حماره بين اقدام قطيع النعاج و ... و... و ...
و... فما المريب في أمره و ... و... !!
النموذج 2 - 2 :
“فتحت لها شاسرها ما أشابها في ذي / ته الغدرة”.
اي( فتحت لها ) فتحت مربطها ( اي الحمار ) شاسرها (
سأربطها ) (ما أشابها ) ماذا أريد بها في (ذي / ته ) هذه ( الغدرة ) الظلمة
وعن “شاسرها” يقال “شاسرها/ شاسراً/
شاوسرها/ شاوسرا” بتمايز الألسنة المحلية بتهامة وهي صيغ الماضي من “ياسر ويوسر”
أي يأسر ويؤسر أي من الأسر فالحمار المربوطة مأسورة أي مأسورة وموسورة.
و ( ذي / ته ) اسما اشارة يجريان بتمايز بين الالسنة
المحلية بمعنى هذه
و على ذات ما
سبق عن النموذج ( 1 – 2 ) من هذه الفئة
يبدأ البدع الفطري برسم المكان و الزمان و الحث الذي يبدأ برسم و تحريك خشبة مسرح
صامت على نحو من القول ..
أن الحمار ( الأتان ) كانت مربوطة خلف المنزل بعيدا عن
طريق المارة فوجد اللص بذلك ما يغريه ليتخذ من الليلة الشديدة الظلمة موعدا
لسرقتها
و بكل أمان وصل الى مربطها و فتح اي حل مربطها و .. و ..
لم يكد يهيئ نفسه ليركبها فينطلق بها الى حيث يريد حتى باغته صاحب الحمار الذي لم
يجد ما ينجيه من قبضته فتداعى بالقول (“فتحت لها شاسرها
ما أشابها في ذي / ته الغدرة” فتت مربطها لأربطها ما ذا اريد بها في هذه الظلمة )
وعودة لما سبق.. كيف يفتح مربط لحمار ليربطها وهل بتواجده في ظلمة الليل ما
يكفي كمبرر منطقي ينفي نية السرقة !!.
الفئة الثالثة : السمراء الفراشة
النموذج ( 1 - 3 ) هاتش قلت خرج
النموذج ( 2 - 3 ) “عَيرك لما شبهته وسم”
النموذج ( 3 – 3) وليد
بندق من يان ذا الخادم قرح.. من أعلى مصعد”.
النموذج ( 4 - 3 ) “خالة باطح ذا الفاطم حقك” يقول لك أبي منتوج
يشا دُمْ شوهة مزكومة”.
النموذج ( 5 - 3 ) “غيق قلت تج .. أنا بعد بيضتي مش بعد جنبية
أبوك” “كان أبوك يدخل على عشر دُغر”
أربطوا الأحزمة .. ستطير بنا هذه الفئة إلى
البعيد البعيد لترينا أنها الأكثر ندوة والأقل تكرار بأنماط وصور النوادر الموروثة
التي لم تزل بحاجة إلى الكثير من الجهود والاهتمام.
وأسأل الله التوفيق بالإشارة إلى ذلكم
الرجاء العظيم الذي فتح آفاقه سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بحديثه
الشريف الذي أحاول عرض معناه الذي يبشرنا بأن الله أفرح “ أشد فرحاً” من رجل ضلت
راحلته بصحراء لا ماء فيها ولا ملاذ ولما بلغ به اليأس مبلغه أقبلت راحلته فقال من
شدة الفرحة “اللهم أنت عبدي وأنا ربك”.
هكذا أعتقد أن الترتيب والتركيب اللفظي في
“اللهم أنت عبدي وأنا ربك” يساعدنا في التعرف على هذه الفئة من “ صحراوات خفيفات
الظل” إذ تتميز بالإشارة برسم مخرجات الحصار وفقد السيطرة بصيغ ونماذج تنتقل فيها
المفردات والمسميات والصفات بنحو من التبادل بين وبين .. أربطوا الأحزمة.. سنطير..
مرحباً.
النموذج ( 1 - 3 ) هاتش
قلت خرج
( هاتش ) : صوت الكلب حين يكشر انيابه و يهاجم او يطارد
او يصد هدفا ما
( خَرْج / خُرْج ) و مثلها ( هِيِّه
/ هَيَّه ) اصطلاحان محليان معناهما اغرب او اذهب او غادِر يا كلب و عكسها ( هوْ لك ، غَيَتْ اي تعال او اقبل يا
كلب
و هذا النموذج (هاتش قلت خرج ) يقدم صيغة الفزع الذي لا يريد الجبان
الاعتراف به و يحاول الهروب منه فيقع بما يؤكده فيه حين هاجمه كلب فقال بنحو من
ادعاء الشجاعة (هاتش قلت خرج ) و القول ( قلت ) هنا تعبر عن عدم الاكثراث
عند الشجاع الذي اراد هذا الجبان ان يتقمص شخصيته ففشل اذا قال : (هاتش قلت خرج
) فوضع نفسه مكان الكلب و الكلب مكانه
اي لو قال ( خرج قلت هاتش ) لكان الصواب و المنطقي من
شجاع لا رعديد قال ( هاتش ) كأنه الكلب و كأن الكلب هو بقوله ( قلت خرج )
النموذج 2 - 3 ـ
“عَيرك لما شبهته وسم”
بنحو مما سبق .. وجد نفسه هنا .. مضطراً لتبرير
تواجده فحاول الظهور بالإنسانية والاهتمام بشأن هذا الذي أفزعه بضبطه .. “عيرك لما
شبهته وسم” فقط هو السؤال والاطمئنان على صحة “عيرك” حمارك الذي “وسمته” أي كويته بالنار “بالكي
المعروف” هل “ شبه” أي شفي .. وخانه لسانه لذعره وفزعه فجاء.
بالقول “ لما شبهه وسم” أي “ لما شفيته
اكتوى” بدلاً من “لما كويته شُفي”.
النموذج 3 - 3 ـ
“ وليد بندق من يان ذا الخادم قرح.. من أعلى
مصعد”.
إنه
شيخ القبيلة .. سمع صوت عيار ناري وهو الشيخ وحوله أبناء القبيلة في المبرز “
الديوان” لابد أن يسأل فهو رجل القبيلة الأول فصاح مذعوراً مدعياً التماسك والثبات
بقوله “ وليد بندق من يان ذا الخادم قرح”.
وكان الخادم مجيب الشيخ “من أعلى مصعد” أي
من الشرق مٌشرق .. ولكل خياله في رسم المشهد إن الذي قرح بندق من الشرق باتجاه
الشرق.. ليس إلى هنا و” هل يسخر الخادم من الشيخ”.
النموذج
4 - 3 ـ
“خالة باطح ذا الفاطم حقك” يقول لك أبي
منتوج يشا دُمْ شوهة مزكومة”.
أرسل الوالد ابنه إلى خالته فاطمة ليقول لها
أن أباه مزكوما يريد “دم” حليب “شوهة” نعجة “ منتوجة” ولدت حديثاً.
ولما وصل إلى منزل خالته فاطمة وجد عند الباب
كلباً منبطحاً “ باطح” فارتعد وقال: " خالة باطح “ لا خالة فاطم” ذا الفاطم” لا ذا
الباطح” حقك .. واستمر متدافعاً ليفصح عن مهمته فقال: " يقول لك أبي منتوج “ لا مزكوم” يشا “ يريد” ذم
“حليب” شوهة “نعجة” مزكومة “ لا منتوجة”.
النموذج
5 - 3 ـ
“غيق قلت تج .. أنا بعد بيضتي مش بعد جنبية
أبوك” “كان أبوك يدخل على عشر دُغر”
لم يكن يعلم أن الدجاجة “ داغر” راقدة على
بيضها في الغرفة التي أراد دخولها ليأخذ جنبيته.
وفجأة عندما أحست الدجاجة يقادم صاحت من مرقدها
“غيق” ففزع وارتعد وحاول التماسك وفتح عينيه تحديا للدجاجة وقال:” غيق قلت تج”
و”غيق” كما صوت الدجاجة كما سبق و”تج” تقال للدجاجة كمصطلح مخصص لندائها المعله،
منه دفعها للانصراف.
وهنا لابد من “تج قلت غيق” قال “ غيق قلت تج”
وواصل بطولته بوجه الدجاجة لبيدي شرعية دخوله “ أنا بعد بيضتي مش بعد جنبية أبوك”.
وإمعان في بيان اعتبروا السخرية و تقول أمة “
كان أبوك يدخل على عشر دغر” أي يدخل الغرفة وفيها عشر دجاجات راقدات على البيض
ويتحداهن فهذا بعض مما ورثته من شجاعة أبيك.!!
الفئة الرابعة : السمراء السياحية
النموذج
1 - 4
إنه السفر الطويل الممتع مع هذه التحفة المثيرة
التي ترحل بنا بعالمها الذي نتركه يقدم نفسه على لسان الشخصية المتداعية بذات
المشاعر “ الحصار” وفقد السيطرة كما يلي:
خرجت من امشقاحي وامجراحي هينه
ركبت أمعير من مرة ابني وسرينا
في امطريق جعنا .. فصعنا امقمر على ضو
امكدرة
وسرينا .. بتكت امعير في امكلب ضرب
وصلنا .. حطيت امعريش على باب امكلب
لقيت امكلب يأكل وبني هاقمين
لقد أراد الخروج من المأزق لينفي مماطلته
وتهربه ومدللا على التزامه واحترامه .. بما روى عن رحلته التي بدأها من أين.
خرجت من امشقاحي “القمر” والجراحي هنا “ أي في
“السماء” ويريد القول أنه خرج من الجراحي والقمر هنا “في السماء” وتابع قصته
بتفاصيلها التي بدأت بـ “ ركبت أمعير “ الحمار” على مرة “ زوجة” ابني ويريد أنه
ركب زوجة ابنه على الحمار.
ويريد أن ينفي توقفه إلا الاضطراري عندما شعر
بالجوع بـ “ فصعنا امقمر على ضو امكدرة” ويريد القول بأنه فصع “ قطع وأعد للأكل”
الكدرة “ الاكلة التهامية” على ضوء القمر
وليدلل على حديثه واسراعه قال “ بتكت امعير
في امكلب ضرب” و” امعير” الحمار و “امكلب” عصا طويلة برأسها خطاف.. و”بتكت” كسرت.؟
والمراد أنه كسر المكلب في الحمار ضرباً ليسرع.
وعن
وصوله المنزل “ حطيت امكلب على باب “ امعريش على باب امكلب” وامعريش “العريش” غرفة
من الخشب مسقوفة بالقش على هيئة جناحين بنصف انقباض .
ووجد “ امكلب يأكل وأولاده هاقمين” و” هاقم، لفظ
يصطلح للكلب الجالس بوضع الاقعاء على الباب انتظاراً لما يجود به أهل الدار برمي
عظمة أو نحو منها.
ولكن الوصف هنا. الكلب يأكل
وأبناؤه هاقمين انتظارا لما يجود به الكلب ......!!
-----------
نشرت هذه صحيفة الجمهورية بملحقها الاسبوعي ( اليمن ) السياحي بالنسخة الورقية و بموقها الالكتروني ( الجمهورية نت ) الأحد 27 يونيو-حزيران 2010
و سقطت بعض الصفحات عند الطباعة حينها و اعيد نشرها هنا